من فترة لفترة ينشب خصام حول النظام السياسي في المغرب, فهناك من يؤيد المَلكية المطلقة, و هناك من يؤيد المَلكية البرلمانية أو بمعنى آخر المَلكية الدستورية .
و قبل الخوض في تفاصيل المَلكية في المغرب, سنحاول التطرق لمعنى المَلكية البرلمانية بصفة عامة .
تعتبر فالمَلكية البرلمانية هي حكم ملكي و لكن محدود, يعني فيه صلاحية محدودة للملك بونما الحكومة هي المكلفة بتدبير شؤون الدولة, و بمعنى " الملك يسود و لا يحكم" .
و هذا النظام هو المعتمد في العديد من البلدان ك (هولندا, اسبانيا ...) أما في المغرب و حسب الفصل الأول من الدستور المغربي فإن نظام الحكم في المغرب هو نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية اجتماعية, و حسب العديد من المحللين السياسيين فإن هذا النظام لا يشبه الأنظمة الملكية التي تسود في البلدان الأخرى, لأنه بكل بساطة ففي المغرب الملك لديه سلطات مختلفة أخرى .
و هذا ما أكده مستشار الملك "عمر عزيمان" بحيث قال في لقاء صحفي مع قناة "فرانس بريس" أن نظام المغرب ليس شبيهاً بالأنظمة الإسبانية و الهولندية التي تعمل بمنطق الملك يسود و لا يحكم, ولكن في المغرب هناك ملكية برلمانية من نوع مختلف, و قد أثارت كلمة "مختلف" فضول العديد من المحللين, حيث أكدوا أنها ملكية مطلقة و لا علاقة لها بالملكية البرلمانية, لأنه حسب المادة 41 للدستور فإن الملك هو أمير المؤمنين و حامي الملّة و الدّين و رئيس الدولة و ممثلها الأسمى و رمز وحدتها, أما حسب المادة 47 فهو رئيس المجلس الوزاري, أما المادة 48 فتقول أن للملك حق حلّ مجلسي البرلمان, و في المادة 51 و 96 فالملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية و له حق التعيين في الوظائف العسكرية, بينما حسب المادة 53 فهو رئيس المجلس الأعلى للأمن, المادة 54 هو الموقع على المعاهدات, إلى آخره ...
و بالنظر لكل هذا فإن الملكية في المغرب هي ملكية مطلقة و ليست برلمانية أو ملكية محدودة, إضافة على هذا فهناك حالات استثنائية يمكن للملك أن يكون فيها الكل في الكل و يتجاوز جميع السلطات التشريعية و التنفيذية و يكون له الحكم المطلق .
و بالرغم من هذا فإنه من الصعب القول أن الملكية مطلقة في المغرب, لإن عدد كبير من السلطات التقديرية و التنفيذية و التشريعية خارج تصرف الملك, يعني أن في الأخير فسلطة الملك تبقى محدودة نسبياً, إضافة على هذا أن الحالات الإستثنائية التي يرجح أن تكون لدى الملك للتحكم في كل شيء يصعب تحقيقها, و يمكنها أن وُرُودُهَا فقط إذا كان هناك تهديد للأمن الوطني الذي يعرقل عمل المؤسسة الدستورية كالحرب مثلاً .
و حسب عدد من المحللين السياسيين فإن وجود ملكية برلمانية كالموجودة في اسبانيا و هولندا تستوجب التوفر على طبقة سياسية رزينة و يعَوَّل عليها, لأنه من الضروري أن تكون أحزاب سياسية قوية و لها كفاءات لتدبير الشأن العام .
زيادة على هذا فإن العلاقة التاريخية بين الأسرة الحاكمة "الأسرة العلوية" و المغرب كشعب ليسب كالدول الأخرى, لأنها مربوطة برابط ديني تاريخي و الكثير من الأشياء الأخرى التي تضمن للملك مكانة و رمز أكبر من مكانة ملوك الدول الأخرى .
كما قال بعض الخبراء السياسيين أنه لكي تكون هناك ملكية برلمانية بكل ما تحمله الكملة من معنى فلا يزال الوقت أمامها طويل, لأن الدول التي تتوفر على هذا النظام استغرقت سنين كثيرة, و عندما نصل لذلك المستوى السياسي عند إذٍ يمكننا مناقشة الملكية المغربية.
في المغرب هناك سلطتان تتحكمان في البلاد و هما :
السلطة النتفيذية
التي هي الحكومة, و وفق الفصل 87 من الدستور فهي تتكون من رئيس الحكومة و الوزراء, و الملك لا يدخل في هذه السلطة بشكل مباشر, ولكنه هو المسؤول عن تعيينهم انطلاقا من نتائج الإنتخابات و الحزب الفائز, و للحكومة دور في تطبيق السياسة العامة الداخلية و الخارجية, و هي المسؤولة على تمرير القوانين, بينما الملك هو رئيس المجلس الوزاري, يناقش و لا يتدخل .
السلطة التشريعية
و هم المتواجدون داخل قبّة البرلمان المكوٌنة من مجلس النواب و مجلس المستشارين, و هم من يشرعون القوانين و يبتكرونها و طبعًا يساهمون في صناعة القرار .
و هنا تظهر الملكية البرلمانية بحيث أن الملك يفوّض تسيير الشؤون بشكل مستقلّ لمؤسسات دستورية و التي لها كامل الصلاحية للتصرف وفق الدستور .
و على ذكر الحكومة و البرلمان و الطبقة السياسية, فالعديد من الأحزاب الكبيرة ترى أن الملكية الحالية هي الأنجح و الأنجع في المغرب .
بحيث أن السلطة التي لدى الملك حاليًا هي من تخلق توازن في البلاد و تحافظ على استقراره, و هذا ما أكده حزب الأصالة و المعاصرة و حزب التجمع الوطني للأحرار و حتى حزب العدالة و التنمية على لسان رئيسها السابق "بنكيران" و الذن كان من المدافعين على سلطة الملك بقوله أن من مصلحة المغرب أن تكون السلطة التنفيذية في يد الملك باعتباره رمز البلاد السياسي و الديني و التاريخي, بينما الأحزاب اليسارية لازالت لحد الساعة في صراع لتحقيق الملكية البرلمانية التي تقول أن الملك يسود و لا يحكم كالدول الأخرى .
و الأغلبية من الناس العامة و الطبقة السياسية ترى أن النظام الملكي الحالي هو الذي يصلُح للمغرب, و السلطة التي يتميز بها الملك في ظل الملكية الدستورية جيّدة .
لأنه بهذا نوازن سياسة البلاد بحكم أن المغرب ليست له كفاء ات سياسية كبيرة, بمعنى أنه صعب إيجاد سياسيين محنّكين, و بالتالي أن تضع هموم و مشاكل البلاد بأكملها على كاهل الأحزاب السياسية الموجودة حالياً يعتبر مغامرة, و وباء كورونا مؤخراً خير دليل .